أتى رمضان ..و هاهو قريبا يمضي ..حاولنا أن نكون أوفياء له
حاولنا أن نعطيه حقه من العبادة..نرجو من الله أن يكون قد تقبلها منا
و لكن...
ما هي حالنا بعد رمضان ؟
ما إن ينتهي رمضان... وتغرب عنَّا شمسه.. ويتوارى عنَّا ظله.. ما إن يرحل
الحبيب، حتى يعود كثير من الناس إلى ما ألفوه من معاصٍ وذنوب... حتى كأنهم
نشطوا من عقال.. أو كأنهم كانوا يرون شهر الصيام والتقوى ضيفاً ثقيلاً
يحرمهم ملذاتهم وشهواتهم!!.
وإلى هؤلاء نقول: من كان يعبد رمضان.. فإن رمضان قد ولى وفات.. ومن كان
يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وينبغي عليهم أن يعلموا أن المعاصي سبب
الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
يقول ابن القيم في كتابه (الجواب الكافي): "فما ينبغي أن يُعلم أن: الذنوب
والمعاصي تضر، ولابد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف
درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداء إلا سببه الذنوب
والمعاصي"؟.
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟!.
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه،
فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع وأُبدل بالقرب
بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان
كفراً، وبموالاة الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبرجل التسبيح والتقديس
والتهليل رجل الكفر والشرك والكذب، والزور والفحش، وبلباس الإيمان لباس
الكفر والفسوق والعصيان، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية
السقوط، وحلَّ عليه غضب الله - تعالى - فأهواه ومقته أكبر المقت فأرداه،
فصار إماماً لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة
والسيادة.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي
سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل
خاوية؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟!.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم
فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها
عليهم؟!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟ وما الذي بحث على
بني إسرائيل أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية
والنساء، ونهبوا الأموال؟! وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل
والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير"؟؟.
أجيبوني.. ما الذي فعل بهم ذلك كله؟ أليست هي الذنوب... لقد صدق الله: وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30) (الشورى).
ذنوبنا حاولنا أقصى ما حاولنا أن نقلص منها و أن نتجاوزها..
حاولنا أن نكون إلى الله قريبين..و بسنة حبيبنا محمد مقتدين
أكثر ما مر من رمضان..استغفار و سجود و مناجاة..
قلوبنا كانت تهفو للخير..و أرواحنا كانت سامية ترجو مغفرة من رب العالمين
أصير كل هذا هباءا....فيا ليت السنة كلها رمضان..لنبقى بهذا الحال من الإيمان
نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عنا